لا شك أن العبادات لها أثر، و«العبادة في الهرج كهجرةٍ إليَّ» [مسلم: 2948] كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمخرج من الفتن كتاب الله، والاشتغال به من أشرف العبادات، ومن أشرف الأعمال؛ لأنه أفضل الأذكار، وجاء في الذكر من الشرف والفضل العظيم ما جاء في نصوص الكتاب والسنة، فهذه لا شك أن لها أثرًا كبيرًا في الحماية من الفتن.
يقول: (وهل إخفاء الأعمال الصالحة سبب للخلاص من التعرُّض للفتن؟)، هو سبب للإخلاص، فهو من أسباب الإخلاص الذي هو شرط القبول، لكن يبقى أن إخفاء الأعمال قد يكون أفضل، وقد يكون إبرازها أفضل، فإذا كان لا يخشى على عمله من الرياء، وأبرزه مِن أجل أن يُقتدى به، فلا شك أن أجره أعظم، «مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده» [مسلم: 1017]، فلو افترضنا أن مسجدًا لا يجلس فيه أحد بعد صلاة الصبح إلى الإشراق، ثم جلس الإمام، فلا شك أنه بعد مدة طالت أو قَصُرتْ سوف يقتدي به آخر وينشط ويجلس، ثم يجلس ثالث، ثم رابع، وهكذا، فمثل هذا عمل ظاهر، ما يقول: (أنا أذهب إلى البيت وأُخفي عملي)، نعم جاء في الحديث، وهو مصحَّح عند بعض العلماء: «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرِّ بالصدقة» [أبو داود: 1333]، وهو يحتمل أنه يقرأ أمام الناس لكن لا يجهر، وإنما يقرأ بإخفات، ويحتمل أيضًا أنه يُسرُّ به في بيته، وإذا حصل هذا وهذا، شيء للاقتداء به، وشيء يحفظ به إخلاصه، وجمع بين الأمرين، فهو أفضل وأكمل.