يقول: (إذا كانت الزوجية)، هل يعني: إذا وجدت الزوجية، بمعنى أنه دخل بها؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: «أطعْ أباك» [أبو داود: 5138 / ومسند أحمد: 4711]، لكن عليك أن تنظر في السبب الذي من أجله طلبت الأمُّ الطلاق؛ لأن السبب قد يكون ليس بوجيه، وحينئذٍ يكون فيه ظلم للزوجة، وفيه ضرر على الابن، و«الطاعة في المعروف» [البخاري: 4340]، لكن إن أبدتْ سببًا وجيهًا يقتضي الطلاق فيَرِد هنا ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: «أطعْ أباك»، نعم ليس كل الآباء مثل عمر، لكن علينا أن ننظر في سبب طلبه الطلاق. وإبراهيم -عليه السلام- لما جاء إلى إسماعيل -عليه السلام- فلم يجده، ووجد الزوجة، فقال: «غيِّر عتبة بابك»، فَهِم منه إسماعيل الطلاق، فطلَّق، فمَن مثل إبراهيم -عليه السلام-؟ ومَن مثل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؟ فأحيانًا لأدنى سبب يتسلَّط الأب، أو تتسلَّط الأم على طلاق الزوجة، ولا شك أن هذا ظلم للزوجة، وضرر بالزوج، فمثل هذا إذا لم يكن الطلب وجيهًا، وإنما مجرَّد تعنُّت، أو لسبب يسير يمكن معالجته، فالطاعة بالمعروف.
وعلى الولد أن يَبرَّ بوالديه، وعليه أن ينظر في مصالحهما، وألَّا يُقدِّم عليهما أحدًا؛ لأن الغيرة إنما تأتي للوالدين اللذين تعبا على الولد، ثم بعد ذلك في يوم وليلة ينقلب خيره كله لأهله، ويَفهم من حديث: «خيركم خيركم لأهله» [الترمذي: 3895] أنه لا بد أن يكون الخير كله لأهله، ويترك مَن عداهم من الوالدين، وهذا الكلام ليس بصحيح، فالوالد والد، والوالدة والدة، ولهما من الحقوق ما جاءت به النصوص القطعية التي لا تحتمل التأويل، من وجوب برِّهما، والنظر في مصالحهما، وإذا كان الجهاد موقوفًا على رضاهما، «أحيٌّ والداك؟»، قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» [البخاري: 3004]، هذا وهو الجهاد، فكيف بغيره؟!
ومع الأسف أنه يوجَد من طلاب العلم من أغفل هذا الجانب، فيرتبط الطالب بمجموعة من الشباب، وهم شباب فيهم خير، يحضرون الدروس والمحاضرات، وبقاؤهم في المساجد -في المكتبات وغيرها- كثير، لكن من السهل جدًّا إذا أتى الزميل وضرب منبِّه السيارة عند الباب، أن يخرج هذا الطالب مباشرة، ويذهب مع زميله من صلاة العصر إلى منتصف الليل، وهذا أبرد على قلبه من الماء البارد في الصيف، لكن بالإمكان أن تقول له أُمُّه: نريد أن نزور خالتك فلانة، أو أختك فلانة، في الحي نفسه، ثم يتثاقل! هذا خلل، فما معنى أنك تجيب زميلك، وترتاح إليه، وتسهر معه، وقد تقضي حوائجه، وأُمك أقرب الناس إليك، وأحق الناس بحسن صحبتك، وحقها أوجب الواجبات عليك، ثم بعد ذلك يصعب عليك؟!
وذكروا في ترجمة شخص أنه حج ثلاث مرات من بغداد ماشيًا حافيًا، ولمَّا قدِم من الحجة الثالثة دخل البيت فإذا بالأم نائمة، فاضطجع بجانبها، فانتبهتْ فإذا به موجود، فقالت: (يا ولدي أعطني ماءً)، والقربة معلَّقة على بعد أمتار، ومن التعب تظاهر بأنه نائم، وأنه لم يسمع كلامها، فسكتتْ، ثم بعد ذلك أعادتْ: (يا ولدي أعطني ماءً)، فتركها مثل المرة الأولى، وفي المرة الثالثة راجع نفسه: (أذهب آلاف الأميال ماشيًا، وأمي تطلب الماء من أمتار وأتثاقل عن طلبها!)، فهل هذا يدل على صدق في النية، وإخلاص لله -جل وعلا- في هذا الحج؟ ما الذي يظهر من هذا الصنيع؟ الذي يظهر أنه ما حج لله؛ لأن هذا أوجب، وهو على بُعد بضعة أمتار، وذاك حج نافلة، وقطع له آلاف الأميال ماشيًا! فلمَّا أصبح ذهب وسأل، ولو سأل فقيهًا وقال له: (أنا حججتُ، وتوافرت الشروط والأركان والواجبات، وما فعلتُ محظورًا، ولا تركتُ مأمورًا)، لقال الفقيه: (حجُّك صحيح، ومجزئ، ومسقِط للطلب)، والفتوى على هذا، ولا إشكال، ولا يُؤمر بإعادته، لكنه ذهب إلى شخص نظره إلى أعمال القلوب أكثر من نظره إلى أعمال الأبدان، فقال له: (أعد حجة الإسلام؛ لأن حجك ليس لله، ولو كان لله ما ترددتَ في إحضار الماء)، ولا شك أن مثل هذا لا يمكن أن يُفتى به، لكن يُذكر هذا مثالًا على ما يقع من بعض الشباب الملتزمين المنتسبين إلى طلب العلم، بل بعضهم ينتسب إلى الدعوة، فيسهل عليه أن يطلب منه زميله أن يخرج معه في رحلة لمدة أسبوع، لكن لو قالت له أُمُّه: نزور أختي، أو خالتي، أو عمتي، أو ما أشبه ذلك، صعُب عليه. فعلينا أن نُعيد النظر في تصرفاتنا، وأن يكون هوانا تبعًا لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-.