أحرم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفريضة، وكونه صلى الله عليه وسلم أحرم بعد الصلاة يدل على أنه ينبغي أن يكون الإحرام بعد صلاة، وقد جاء الأمر بالصلاة قبل الإحرام، ففي صحيح البخاري: «صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة» [البخاري (1534)]. وجمهور أهل العلم يرون أن للإحرام صلاةً معللين بأننا لا نعلم ما لو لم يكن إحرامه صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة ماذا سيصنع؟
فإن وقع الإحرام بعد فريضةٍ فهو أولى، وإن لم يقع بعد فريضة صلى ركعتين للإحرام إن كان الوقت مطلقًا، وإن كان الوقتُ وقتَ نهي فلا يصليها؛ لما ثبت في الصحيح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه [مسلم (831)] وعن عمر رضي الله عنه [البخاري (581)، ومسلم (825)] وغيرهما من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، فلا تُعَارَضُ هذه النواهي بمثل هذه السنة.
وهذا مذهب العلماء كافة كما قال ابن عبد البر والنووي وغيرهما، وقد نُقل عن الحسن البصري وبعض التابعين قول آخر: وهو أنه ليس هناك صلاة للإحرام، وأن إحرام النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفريضة وقع اتفاقًا.
ودليل الجمهور الأمر الوارد في حديث عمر رضي الله عنه: «صل في هذا الوادي المبارك» وغاية ما في هذا الأمر أنها تداخلت صلاة الإحرام مع صلاة الظهر، ومن المعلوم أنه إذا اجتمعت عبادتان: صغرى وكبرى، ولم تكن إحداهما متعلقة بالأخرى، ولم يكن فعل إحداهما على جهة القضاء، دخلت الصغرى في الكبرى. ومن الشافعية من يرى أنها صلاة خاصة ولا تجزئ عنها الفريضة، بل لا بد من هاتين الركعتين للإحرام.
وقد يستدلّ به لمن يقول إن للإحرام صلاة خاصة لا تغني عنها الفريضة، ووجهه -وهو محل البحث-، أنّ أهل العلم يقولون: إذا كان الأمر يحتمل التأسيس والتأكيد، فحمله على التأسيس أولى؛ لأن حمله على التأكيد يفقده فائدته. ومعنى هذه القاعدة: أننا لو قلنا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «صل في هذا الوادي المبارك» صل الظهر، فإنه سيكون تأكيدًا لأوامرَ سابقةٍ، وعلى ذلك يفقد الأمر معناه الجديد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مأمور بصلاة الظهر ولو لم يرد هذا الأمر. وإذا قلنا: إن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: «صل في هذا الوادي المبارك» صل للإحرام، صار الأمر تأسيسًا لحكم جديد، فكان أولى من التأكيد.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن جماهير أهل العلم بل هو مذهب أهل العلم كافة فيما نقله النووي رحمه الله وغيره، على أن الإحرام له صلاة ولم يخالف في ذلك إلا نفر يسير. ولذلك إن وافق الإحرام فريضة فهو الأولى والأكمل خروجًا من الخلاف، وإلا صلى ركعتين للإحرام إذا كان الوقت من الأوقات المطلقة وليس من أوقات النهي.