كان -عليه الصلاة والسلام- إذا قام بين يدي ربه -عز وجل- كبَّر، وأقبل على صلاته مفرغًا قلبه من هموم الدنيا، منتظرًا لها –لصلاته-، مرتاحًا بها، هكذا كانت حاله -عليه الصلاة والسلام-، بخلاف حال كثير من الناس، يأتي الواحد منا وذهنه مشغول بأمور الدنيا، فأحيانًا يدخل الإنسان في صلاته وينصرف منها ولم يعقل منها شيئًا، وحينئذ لا يكون له من أجر الصلاة شيء، وليس له من صلاته إلا ما عقل، وبعضهم يأتي للصلاة وهو مستثقل لها يريد الراحة منها، بخلاف حال النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يرتاح بها من هموم دنياه؛ لأنه يستحضر بقلبه وقالبه أنه ماثل بين يدي ربه -جل وعلا-.
لكنا انشغلنا بأمور دنيانا فعوقبنا بانصراف القلوب عن هذه العبادة العظيمة، ولو استحضرنا مثولنا بين يدي الله -جل وعلا- لَمَا صارت حالنا هكذا، ولَمَا شُغلنا بأدنى شاغل ونحن في الصلاة.
ومن القصص الواقعة: أن أحدهم دخل المسجد، فلما كبر مع الإمام تأمل هذا المصلي في المسجد، فوجده مسجدًا كبيرًا ومناسبًا إلا أنه ليس بجامع، فأخذ يخطط لهذا المسجد إذ كيف يكون جامعًا وليس فيه منبر؟ وإذا بجانب المحراب غرفة، فقال: تُزَال هذه الغرفة ويوضع منبر... وهكذا استرسل في التفكير في هذا الأمر، حتى فرغوا من الصلاة، يقول: فرغوا من الصلاة وأنا أنقل العفش الذي في الغرفة إلى آخر المسجد!
مع الأسف الشديد نأتي إلى الصلاة ونحن بهذه القلوب، لأننا شُغِلنا بدنيانا، ولم يكن همنا إرضاء ربنا والإقبال على ما يرضيه.
وهذا الشخص انشغل بمباح، فكيف بمن اشتغل بمحرم؟! يخطط كيف يفعل إذا خرج من المسجد ليزاول بعض المحرمات؟
نعم، لو كان انشغالنا مثل انشغال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، يجيش الجيوش وهو يصلي، من عبادة إلى عبادة، فمن كان انشغاله بعبادة فهو على خير -إن شاء الله تعالى-، إلا أن الأولى والأكمل أن يتجه إلى ما هو بصدده من العبادة التي كُلِّفَ بها وأُمِرَ بها.
فنلاحظ ارتفاع الخشوع الذي هو لب الصلاة لسببين، أولهما: تشبثنا بأمور دنيانا وإعراضنا عن الآخرة. والسبب الثاني: سبب ظاهر لدى الناس كلهم، وهو الران الذي غطى على القلوب بسبب المكاسب المدخولة، التي لم يسلم منها إلا القليل النادر، مكاسبنا مدخولة، فالتاجر يعرف حاله، ونعرف أوضاع التجار ومعاملاتهم، والموظفون نعرف أحوالهم من عدم إيفاء الوظيفة حقها، والله المستعان.
فعلى الإنسان أن يقبل إلى صلاته فرحًا بها مرتاحًا بها.