القاعدة في الصلاة: أن كل فعل من أفعالها دون الذي قبله، فالركعة الأولى بجملتها أطول من الركعة الثانية، والثانية أطول من الثالثة... وهكذا، ويُستحضَر في ذلك حديث صلاة الكسوف، وفيه: فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع، فقرأ وقام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم رفع، ثم سجد سجودًا طويلاً وهو دون السجود الأول، ثم قام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم قام قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول... إلى آخر الصلاة، وفيها أربعة ركوعات، وأربع سجدات، هذا المتفق عليه في الصحيحين.
وقوله: (دون الركوع الأول) يحتمل أن يكون المراد بالأول الأولية المطلقة، وهو أول ركوع، وما عداه من الركوعات الثلاثة دون الركوع الأول أولية مطلقة، فلا يلزم من هذا أن يكون كل ركوع دون الذي قبله، بل يكون الركوع الأول أولية مطلقة متميزًا عن غيره وما عداه من القيامات كلها دونه، وقل مثل هذا في السجود.
ويحتمل أن يكون المقصود بالأول الأولية النسبية وليس المراد به الأولية المطلقة، فكل ركوع أوّل بالنسبة للذي يليه، فالركوع الثاني أول بالنسبة للثالث، والركوع الثالث أول بالنسبة للرابع... وهكذا، وإذا قلنا بهذا صارت الصلاة متدرجة.
هذا المثال في صلاة الكسوف يُقرِّب لنا ما عندنا، لأن بعض الناس يلاحَظ عليه إطالة آخر سجدة في الصلاة، ولاحظنا ذلك من الشيوخ الكبار الذين أدركناهم، يطيلون السجدة الأخيرة من الصلاة، ويفعلها بعض الشباب الآن، فإما أن نقول إنه خلاف السنة، وكل ركن دون الذي قبله، والسجدة الأخيرة دون التي قبلها، والتي قبلها دون التي قبلها... وهكذا، أو نقول تتميز الركعة الأولى، وما عداها يكون دون الأولى، بغض النظر عن الثانية والثالثة والرابعة.
وكأن ملحَظ من يطيل السجدة الأخيرة، أنها بالنسبة للسجود والقرب من الله -جل وعلا- هي الوداع، فيريد أن يصلي صلاة مودع، ولو في جزء الصلاة، ويستدرك ما فاته وغفل عنه في السجدات السابقة، هذا قد يلحظه بعض الناس.
إلا أنه خلاف السنة، إذ الصواب أن تكون السجدة الأخيرة دون التي قبلها، والتي قبلها دون التي قبلها... وهكذا، فالعبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لأن العبادات توقيفية، فإذا لم يكن السجود الرابع أقل من الثالث، فأقل الأحوال أن يكون مثله.