عُمَر النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها في ذي القعدة، وفي تفضيل العمرة في أشهر الحج والعمرة في رمضان يقول ابن القيم –رحمه الله-: (وأما المفاضلة بينه –يعني العمرة في أشهر الحج- وبين الاعتمار في رمضان فموضع نظر، فقد صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أمر أم معقل –رضي الله عنها- لما فاتها الحج معه أن تعتمر في رمضان، وأخبرها أن عمرة في رمضان تعدل حجة، وأيضًا فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضل الزمان وأفضل البقاع، ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في عُمَره إلا أولى الأوقات وأحقها بها، فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره، وهذه الأشهر قد خصها الله تعالى بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج وذو القعدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه، فمن كان عنده فضل علم فليرشد إليه) فابن القيم -رحمه الله- توقف في تفضيل عمرة رمضان على العمرة في أشهر الحج؛ لأن عُمَر النبي -عليه الصلاة والسلام- كلها في ذي القَعدة وهو من أشهر الحج، فهذا توقف من ابن القيم -رحمه الله تعالى- بين قوله -عليه الصلاة والسلام- وبين فعله؛ ففعله يدل على تفضيل العمرة في أشهر الحج، وقوله يدل على تفضيل العمرة في رمضان. وقال ابن القيم –رحمه الله- في توجيه ترك النبي –صلى الله عليه وسلم- العمرة في رمضان قال: (وقد يقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يشتغل في رمضان من العبادات بما هو أهم من العمرة، ولم يكن يمكنه الجمع بين تلك العبادات وبين العمرة فأخّر العمرة إلى أشهر الحج، ووفر نفسه على تلك العبادات في رمضان، مع ما في ترك ذلك من الرحمة بأمته والرأفة بهم، فإنه لو اعتمرَ في رمضان، لبادرت الأُمة إلى ذلك، وكان يشُقُّ عليها الجمعُ بين العُمْرةِ والصومِ، ورُبما لا تسمح أكثرُ النفوس بالفطر في هذه العبادة؛ حرصاً على تحصيل العُمْرة وصومِ رمضان، فتحصُل المشقةُ، فأخَّرها إلى أشهر الحج، وقد كان يترُك كثيراً من العمل وهو يُحب أن يعمله؛ خشية المشقة عليهم)، والله أعلم.