المفترض في طالب العلم أن يطلب العلم الشرعي الذي مُدح أهله وجاءت النصوص بمدحه، المورث للخشية، هذا هو الأصل، وإذا تَحدَّد الأصل لجميع طلابه، فلن يكون هناك فارق بين طالب للتفسير، وطالب للحديث، وطالب للفقه، فكلهم يُطلب منهم الآداب المشتركة، من الإخلاص لله -جل وعلا-، وهذا هو المحكُّ، والتقوى {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ} [البقرة: 282]، والبداءة بالأهم فالأهم، بالكتاب، ثم السنة، ثم ما يعين على فهم الكتاب والسنة. وإذا قلنا: إن هذا مطلوب من الجميع، فهم يشتركون في هذا كله، ثم بعد ذلك على حسب ما تحتاجه الأمة، فالأمة تحتاج إلى قضاة، وتحتاج إلى دعاة، وتحتاج إلى معلمين، وتحتاج إلى كذا... كلٌّ يتخصَّص في هذه الفروع بعد إتمام ما طُلب من الجميع، فعليهم أن يتأدَّبوا بالآداب جميعًا.
نعم قد يُلحظ على بعض الناس ممن عنده تقصير في علوم الكتاب، أو علوم السنة، واهتمام بعلوم أخرى كالفقه -مثلًا-، أو أصول الفقه، أو العربية، أوما أشبه ذلك، قد يُلحظ على بعضهم شيء من الجفاء، ولا شك أن هذا خلل في التحصيل، وإلا فالعلم الأصل فيه أنه يزيد في التواضع. وقد لُمس من بعض مَن ينتسب إلى الحديث شيء من الجفاء، وأُدرك هذا في تراجم بعض المحدثين، والخطيب البغدادي في تاريخه ذكر بعض الوقائع من بعض المحدثين تدل على شيء من هذا، ولكنه ومع ذلك وإن كانوا من أهل الحديث، إلَّا أن لديهم خللًا في التحصيل والتطبيق، وإلا فالأصل أن العلم الشرعي كلما زاد في قلب الإنسان زادت معرفة الإنسان بنفسه، وزاده ذلك تواضعًا وانكسارًا وتذللًا لإخوانه وحرصًا على نفع الآخرين، فلا شك أن هذه الأمور مطلوبة من الجميع، والذي لا يزيده علمه من التواضع ما يجعله يستمر في الطلب، فهذا في الحقيقة ليس بعلم، وهذا لا بد أن يعيد حساباته؛ لأن الكِبر لا ينال معه علم، "لا يتعلَّم العلم مستحي ولا مستكبر"، وإذا لُوحظ على الإنسان شيء من الغرور أو من الكِبر، فهذا في الغالب ما عنده شيء من العلم، وإنما هذه دعوى وليست بعلم، والله المستعان.