لم يذكر جابر -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام من الليل في مزدلفة على عادته، ولا ذكر الوتر، ولا ركعتي الفجر. مع أنه ذُكر في أحاديث أخرى أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر ونهى ورخّص مما لم يذكره جابر، فإما أن يكون جابر قد ترك التنصيص على قيام الليل؛ لأن هذا من عادته -عليه الصلاة والسلام- أو أنه خفي عليه. وأما الاستدلال بمثل هذا على أنه لا يشرع قيام ليلة مزدلفة ولا الوتر، فهذا ترده النصوص العامة، منها أنه-عليه الصلاة والسلام- لم يترك الوتر ولا ركعتي الفجر سفرًا ولا حضرًا [زاد المعاد: 315]. وعدم الذكر ليس ذكرا للعدم، ولا مانع أن يخفى على جابر ما يخفى، فقد يكون قد نام –لما نام النبي –صلى الله عليه وسلم-. ثم استيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام- فصلى ما كتب له على عادته وأوتر ونام. فلما أصبح جابر ورآه على هذه الحال، ظن أنه لم يصلِّ. وفي خبر عبدالله مولى أسماء- رضي الله عنها-: أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة، فقامت تصلي، فصلت ساعة ثم قالت: «يا بني، هل غاب القمر؟»، قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت: «يا بني هل غاب القمر؟»، قلت: نعم، قالت: «فارتحلوا» [البخاري: 1679]. فهذا مما يدل على أن الصحابة كانوا يصلون في هذه الليلة، خلافًا لمن قال إن الصلاة والوتر في هذه الليلة لا تشرع. وبعض الناس عنده شيء من الجرأة فيقول: هذه بدعة. والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك الوتر سفرًا ولا حضرًا، فتبقى سنة. والنوم مطلوب في هذه الليلة؛ من أجل الاستعداد لأعمال يوم النحر. والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام واستغرق في نومه، وإن كان لا ينام قلبه [البخاري: 138]؛ لأنه زاول أعمالًا في يوم عرفة تحتاج إلى راحة بعدها، وسوف يزاول في يوم الحج الأكبر أعمالًا تحتاج إلى راحة قبله.