في عمرة القضية جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- هو وأصحابه وطافوا، وقال المشركون ما قالوا: من أنه يقدم محمد وأصحابه «وقد وهنتهم حمى يثرب» [البخاري: 1602]، فأمرهم النبي –صلى الله عليه وسلم- بالرمل في تلك العمرة، من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ويمشون بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم. فهل نقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- راءى المشركين بهذا العمل، أنه لما خفي عن أنظارهم مشى فكان الرمل من أجلهم؟، نقول: الرمل لذاته ليس بعمل شاق في الأصل، وإنما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لإغاظتهم، وإغاظتهم مشروعة. وكونهم لا يرونه رَفِق بأصحابه فأمرهم أن يمشوا بين الركنين. بينما في حجة الوداع ولا يوجد من يقول: إن محمدًا وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب، فإنه قد رمل من الحجر إلى الحجر، فاستوعب الشوط بالرمل، وبقي حكم الرمل مشروعًا مسنونًا اقتداءً بفعله -عليه الصلاة والسلام-. وهذا من الأحكام التي شرعت لعلة وارتفعت العلة وبقي الحكم، كالخوف بالنسبة للقصر، شرع لعلة {إِنْ خِفْتُمْ} [سورة النساء: 101]، ومع ذلك ارتفع الخوف وبقي الحكم، ولهما نظائر كثيرة. وإن كان بعضهم يقول: ما ارتفعت علته يرتفع حكمه، وهذا قول ضعيف جدًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كرر الرمل في حجة الوداع.