يقول جل وعلا: }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [ الأنفال: ٢٥ ]؛ لأنه قد يوجد الظالم فلا يؤخذ على يده فتنزل العقوبة فتعم الجميع، فهي فتنة الدهماء التي تأتي على الناس كلهم إذا وقعت، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (أي هذه الفتنة لا تصيب الظالم فقط؛ بل تصيب الظالم والساكت عن نهيه عن الظلم، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه» [أبو داود: 4338]، وصار ذلك سببًا لمنعهم كثيرًا من الطيبات)، فتصيب الظالم والساكت عن نهيه فضلاً عن المؤيد والمشرّع له؛ لأنه يوجد من علماء السوء من يشرِّعون للظلمة، ويوجِدون لهم المخارج والأدلة، فهؤلاء مع الظلمة بلا شك، وإنما ينجو من ذَكَرَه الله بقوله: }أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ{ [ الأعراف: ١٦٥ ]، وقد لُعن بنو إسرائيل؛ لأنهم }كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ {[المائدة: ٧٩ ]، وفُضّلت هذه الأمة على سائر الأمم بسبب }تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{ [آل عمران: ١١٠ ]، وبعض الناس يقول: ما أنا بوكيل على بني آدم، أنا علي نفسي. وهذا ليس بصحيح، بل لا تنجو إلا إذا أمرت ونهيت.
وفي الصحيحين عن زينب بنت جحش –رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يومًا فزعًا يقول: «لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش –رضي الله عنها- فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: «نعم إذا كثر الخبث» [البخاري: 3346].
وبعض الناس إذا قيل مثل هذا الكلام قال: البلد فيه خير، وفيه علماء ودعاة وعبّاد وقضاة، وفيه طلاب علم، وفيه جمعيات خيرية! نعم الخير موجود وهو الأصل، لكن لا تنظر إلى الخير بمقداره مهما بلغ، بل انظر أيضًا إلى الطرف الثاني «إذا كثر الخبث».