قال ابن تيمية -رحمه الله-: (ورفع الصوت في المساجد منهي) وهو في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- أشد. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: باب رفع الصوت في المساجد. وذكر ما يدل على المنع، وذكر ما يدل على الجواز، مما يدل على أنه عند الحاجة لا بأس به، وعند عدم الحاجة يثبت فيه النهي. ويلحق بهذا رفع الصوت بالعلم أكثر من الحاجة. فإذا كان الطلاب عددهم قليل يبلغهم الصوت فلا داعي للمكبر. وكذلك في الصلاة أحيانًا يكون الجماعة خمسة، أو ستة، أو صف أو صفين، ثم يرفع الصوت بحيث لا يخرج الواحد من المسجد إلا وقد أصيب بالصداع، وهذا من المنهي عنه ولا شك. وبعض الأئمة وللأسف لا سيما الشباب، يتكلف في اختيار مكبرات الصوت التي هي أرفع صوتًا، ويدخل عليها من المؤثرات ومن الأشياء التي تحسن صوته، والله المستعان. والأصل أن هذا الأمر محدث يستعمل في عبادة دعت إليه الحاجة، فالحاجة تقدر بقدرها، وما زاد على ذلك يبقى في حيّز المنع. ورفع الأصوات في المساجد امتهان لها، فلو أنت عند شخص تجله وتعظمه، تجد بعض كلامك لا يُسمع، لا سيما إذا كان بيده أمر ونهي ومسؤولية، وتجدك ترجوه وتخافه. فخفض الصوت دليل على التعظيم والتوقير، ورفع الصوت بضده. مع أنه ذكر في ترجمة العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- وأرضاه عم النبي -عليه الصلاة والسلام-، أن صوته يصل إلى تسعة فراسخ، لكن يبقى أن الصوت الزائد على الحاجة لا داعي له، ويدخل في حيّز الذم. وإذا كان رفع الصوت في مسجده -صلى الله عليه وسلم- فهو أشد، وكذلك أمام حديثه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الإنسان يحدث بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه حينئذٍ لا يجوز له رفع الصوت أكثر من القدر الذي يؤدى به حديث النبي -عليه الصلاة والسلام. وقد ثبت أن عمر -رضي الله عنه- رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد فقال: لو أنكما من أهل البلد لأوجعتكما ضربًا. يعني الغريب الذي لا يعرف عادات وتقاليد الناس مثل هذا يعذر، لكن الذي نشأ في البلد، وعرف عادة الناس، ونشأ على هذا الأمر مع ما فيه من كونه شرعي، فمثل هذا يؤدب ويعزّر.