الصلوات الخمس مستثناة من النهي عن الصلاة في أوقات النهي، ولم يقل: بأن النهي يتناول الفرائض إلا أبو حنيفة فيما إذا انتبه لصلاة الصبح مع بزوغ الشمس، يقول: (يؤخرها حتى ترتفع الشمس وينتهي وقت النهي)، وقوله مرجوح. أما ما عدا الفرائض فالنهي يتناولها، على خلاف بين أهل العلم في ذوات الأسباب، هل تفعل في أوقات النهي أو لا؟، فقد جاءت في السنة أحاديث تنهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، والنهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، منها حديث عقبة بن عامر –رضي الله عنه-: «ثلاث ساعات كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهنَّ، وأن نقبر فيهنَّ موتانا» [مسلم: 831]، مع أحاديث أُخر بالحث على بعض الصلوات مطلقًا: كقوله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» [البخاري: 1163]، وحديث الصلاة بعد الوضوء في حديث بلال –رضي الله عنه- [البخاري: 1149]، وحديث: «يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار» [أبو داود: 1894]، فهذه صلوات لها أسباب، تتعارض أحاديثها مع أحاديث النهي، فالجمهور -الحنفية والمالكية والحنابلة- على أن أحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا يفعل في الأوقات الخمسة شيء من النوافل ولو كان له سبب؛ لأن الخاص مقدم على العام.
والشافعية يعكسون، فيرون أن أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات التي جاء ذكرها، والخاص مقدم على العام.
وليس قول إحدى الطائفتين بأولى بالقبول من قول الطائفة الأخرى، فهما مستويان، وبين هذه النصوص العموم والخصوص الوجهي، وليس العموم والخصوص المطلق كما يدعيه كل فريق، فكل فريق يرى أن أحاديثه خاصة، وأحاديث خصمه عامة، والخاص مقدم على العام، لكن من خلال النظر في نصوص الفريقين نجد أن كلامهم كله صحيح، فأحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات خاصة بهذه الصلوات، فالعموم والخصوص وجهي، ونحتاج إلى مُرجِّح خارجي -والمسألة يطول بيانها-، لكن المُرجَّح عندي أن الوقتين الموسعين لا مانع من الصلاة فيهما لذوات الأسباب؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين من باب نهي الوسائل؛ لئلا يستمر يصلي حتى يأتي الوقت المضيق. أما الوقت المضيق فالنهي فيه أشد، ولا يقتصر النهي فيه على الصلاة، بل يتناول دفن الأموات كذلك؛ لئلا يُحتاج إلى الصلاة في ذلك الوقت، فالمسألة فيه أشد، وسبب النهي تعلق الكفار بطلوع الشمس وغروبها، ولا يمكن أن يتعلق بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر؛ لأن الطلوع والغروب بقي عليه وقت طويل، ويبقى أنه نهي وسيلة؛ لئلا يستمر الإنسان يصلي إلى أن يضيق الوقت، كما قال ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما.