رأى القاضي عياض أن من العدل والإنصاف لسابقيه أن يجعل تأليفه لـ(إكمال المعلم شرح صحيح مسلم) مكملًا للنقص الكثير الوارد في (المعلم) للمازري، مع اعتماده أيضًا على (تقييد المهمل) للجياني، ولا شك أن الاعتراف بالسابق أمر مهم ينبغي أن يُربى عليه طلبة العلم، مع أن الإنسان يأنف من أن يتعلق بأذيال غيره، بل يريد أن يكتب ويؤلف ابتداءً، فإذا كان مثل القاضي عياض الذي يستطيع أن يؤلف ابتداءً مثل ما كتبه تبعًا أو أفضل منه إلا أنه فعل ذلك من باب الاعتراف للسابقين بالفضل، فكيف بمن هو دونه؟!، وكذلك صنع الحافظ ابن حجر-رحمه الله- مع إمامته، فإن أكثر مصنفاته تبعًا لغيره، إما أن يختصر كتابًا، أو يُعلق عليه، أو ينكت عليه، وهذا من باب الاعتراف بالفضل، والسبق له وزنه عند أهل العلم، ففي مطلع الألفية لما تكلم ابن مالك عن ألفية ابن معطي وأن ألفيته فاقت ألفية ابن معطي، قال:
وهو بسبقٍ حائز تفضيلا |
|
مستوجب ثنائي الجميلا |
فالسابق الذي فتح الأبواب لاشك أن له فضلًا كبيرًا على اللاحق، ولما سُئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام وهل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو دونهم قال: (شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ولكونه -رحمه الله- أحاط بما كتبوه، ولِما كتبه أتباعهم فهو أوسع منهم من هذه الجهة). المقصود أن السابق له الفضل على اللاحق، والإنسان لا يولد متعلمًا، إنما يستفيد ممن سبقه.