الإسراف ما تجاوز الحد في الإنفاق، وذمُّه يكون بقدر بُعده عن الحد، فإذا تجاوز كثيرًا صار الذم شديدًا، وإن تجاوز يسيرًا كان مذمومًا، لكن أقل مما لو كثُر عُرفًا، والإنفاق بقدر الحاجة هو المطلوب، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29].
والكرم بذل المال مع سخاء النفس لمن يستحقه، وإكرام الضيف من الكرم، وغير ذلك، والإنفاق على الأولاد والتوسيع عليهم بما لا يُدخل في حيِّز السرف والتبذير، والتوسُّط في الأمور هو الأصل.
وابن القيم -رحمه الله- في كتابه (الوابل الصيب) يقول: (حدُّ السخاء بذل ما يُحتاج إليه عند الحاجة، وأن يُوصل ذلك إلى مستحقِّه بقدر الطاقة، وليس كما قال بعض مَن نقص علمه: حد الجود بذل الموجود! -معناه: بذل الموجود كله! وإنما المراد بذل ما يحتاجه المحتاج-، ولو كان كما قال هذا القائل لارتفع اسم السرف والتبذير -أي: لكان المسرف إذا بذل ما عنده لا يُسمى مسرفًا، بل هذا من الجود على حدِّ قول من نقص علمه: حد الجود بذل الموجود-، وقد ورد الكتاب بذمهما -أي: السرف والتبذير-، وجاءت السنة بالنهي عنهما. وإذا كان السخاء محمودًا فمَن وقف على حدِّه سمي كريمًا، وكان للحمد مستوجبًا، ومَن قَصر عنه كان بخيلًا، وكان للذم مستوجبًا)، وخير الأمور أوساطها، فإذا توسَّط الإنسان وصار بين الإسراف والتقتير، وجعل يده متوسِّطة، لا مغلولة ولا مبسوطة كل البسط، فقد حصل على الخير، والله المستعان.