يستقل القرآن بالإعجاز والحفظ، فكتابنا محفوظ تكفّل الله جل جلاله بحفظه إلى أن يُرفع من الصدور، وكتبهم استُحفِظوا عليها فلم يحفظوها.
وهناك قصة لـيحيى بن أكثم القاضي حكاها عن يهودي قال: كان للمأمون وهو أمير إذ ذاك مجلس نظر، فدخل في مجلس الناس رجل يهودي، حسن الثوب، حسن الوجه، طيب الرائحة، قال فتكلم، فأحسن الكلام والعبارة قال: فلما أن تقوّض المجلس، دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال: نعم! قال له: أسلم حتى أفعل بك، وأصنع، ووعده، فقال: ديني، ودين آبائي، فانصرف، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلما، قال: فتكلم على الفقه، فأحسن الكلام. فلما أن تقوض المجلس دعاه المأمون. فقال له: ألست صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى، قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك. فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنا مع ما تراني حسن الخط فعمدت إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتُريت مني، وعمدت إلى الإنجيل. فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت، وأدخلتها البِيعَة فاشتريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ، وزدت فيها ونقصت وأدخلتها إلى الورّاقين، فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان، رموا بها فلم يشتروها. فعلمت أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم: فحججت في تلك السنة، فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرت له الحديث، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله جل جلاله، قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قول الله جل جلاله عن التوراة والإنجيل: {بما استحفظوا من كتاب الله} [المائدة: 44]، فجعل حفظه إليهم، فضاع. وقال عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر: 9] فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع [ينظر: دلائل النبوة للبيهقي 7/159].