قد صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء» [البخاري: 2134 / ومسلم: 1586]، «وزنًا بوزن، مثلًا بمثل» [مسلم: 1588 / ويُنظر البخاري: 2176]، فلا يجوز التفاضل في بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، وغيرها من الربويات، فإذا بيعت بجنسها فلا بد من توافر شرطين: التماثل، والتقابض، فلا يفترقان وبينهما شيء، بل لا بد أن يكون يدًا بيد، ولا بد من التساوي والتماثل. وأهل العلم يقررون أن الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل، وهذا مِن شدةِ الحرص على أنه لا بد مِن التماثل وزنًا بوزن، وكذلك لا بد من التقابض «إلا هاء وهاء»، يعني: خذ وهات، «يدًا بيد» [مسلم: 1587]؛ لأن أمر الربا شديد، وخطره عظيم {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] حتى قال بعض المفسرين: إن الذين يأكلون الربا يُبعثون يوم القيامة مجانين.
فلا بد في هذه الصورة أن يبيع الزبونُ الذهبَ القديم المستعمل بالدراهم، ويقبض ثمنه في الحال، ثم يشتري الجديد، ويدفع ثمنه في الحال، يدًا بيد كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن باع التمر الجمع بالجنيب: «بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا» [البخاري: 2201]، فلا يجوز التفاضل إذا اتحد الجنس، أما إذا اختلف الجنس «فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد» [مسلم: 1587]، «فبيعوا كيف شئتم» يعني من الربويات مع التفاضل، لكن لا بد من التقابض.
فالمقصود أنه في الصورة المسؤول عنها لا يجوز مثل هذا، وجعل فارِق السعر في مقابل الصنعة والصياغة؛ لأنه لما بيعتْ القلادة باثني عشر دينارًا في عهده -عليه الصلاة والسلام- وفيها الخرز، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «لا تُباع حتى تُفصل» [مسلم: 1591] ويُميز بين الذهب من غيره؛ ليتحقق التساوي، ولم يَعتبر -عليه الصلاة والسلام- الصياغة لهذه القلادة مع ما فيها من خرز مبررًا لهذا التفاضل، فلا بد حينئذٍ أن يُميَّز الذهب عن غيره، ويُباع بذهبٍ مع التساوي والتقابض، أو يُباع بالدراهم، ويُشترى بالدراهم ذهبًا مصوغًا جديدًا، أو ما أرادوا مِن أنواع الذهب سواء كان مصوغًا أو مسكوكًا، فلا بد من التساوي والتقابض، والله أعلم.