روى الإمام مسلم عن عروة بن الزبير عن خالته عائشة أم المؤمنين –رضي الله عنها- أنها أخبرتْه أن عمَّها من الرضاعة -يسمَّى أفلح- استأذن عليها فحجبتْه، فأخبرتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لها: «لا تحتجبي منه، فإنه يَحرم من الرضاعة ما يَحرم من النسب» [1445].
وإذا مَنع الزوج زوجته من الذهاب إلى إخوانها من الرضاعة أو مَنَعهم من الدخول إلى بيته ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ولكم عليهنَّ ألَّا يُوطئنَ فرشَكم أحدًا تكرهونه» إلى آخر الحديث [مسلم: 1218]، مقتضاه أنها لا تأذن لأحدٍ يكره زوجها دخوله في بيته، والجلوس عندها، لكن في مثل هذا الحال الأخ من النسب منعه قطيعة، ومنع الزيارة له قطيعة، والقطيعة محرمة، وليس كذلك الأخ من الرضاعة، فإنه له حق من هذه الحيثية، لكن لا يصل إلى الصلة والقطيعة، فصلته مطلوبة، لكن قطيعته ليست كقطيعة الأخ من النسب، والتشبيه في قوله: «فإنه يَحرم من الرضاعة ما يَحرم من النسب» تشبيه من وجه دون وجه، ولا يلزم من أن يكون المشبَّه مثل المشبَّه به من كل وجه كما هو معلوم، فالأخ من الرضاعة له حق في الجملة، ولكن ليس من كل الوجوه التي تحرم على القريب من النسب، فالأخ من الرضاعة لا يرث، نعم يَحرم الزواج منه وبه؛ لأنه أخ، {وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، هذا منصوص عليه، لكن لا توارث بينهما، وصلة الرحم التي تكون بين الأقارب التي جاء التأكيد عليها والتعظيم من شأنها، والقطيعة التي جاء التشديد فيها، لا تندرج على الأخ من الرضاعة بقدر ما تندرج على الأخ من النسب. نعم الصلة مطلوبة، والمودة والرحمة والتزاور كل ذلك مطلوب، لكن إذا مَنَع الزوج فليس للمرأة أن تذهب إليهم، وتكفي صلتهم بالهاتف، ولا يلزم الذهاب إليهم.
وأما الحجاب عنهم إذا قال: (احتجبي عنهم)، وهذا أمر شرعي لا إشكال فيه كما في حديث أفلح عمِّ عائشة –رضي الله عنها-، وأنها أخبرت الرسول -عليه الصلاة والسلام- فقال لها: «لا تحتجبي منه»، وهل هذا النهي نهي إباحة، أو نهي تحريم في الاحتجاب من الأخ من الرضاعة؟ على كل حال المسألة أوسع مما يتعلَّق بالنسب، وينبغي أن يعتبر مثل هذا الأمر، وألَّا تحتجب منهم، وأن تقنع زوجها، أو يكون في وقتٍ أو مجالٍ لا يوجد فيه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عائشة أن تحتجب من أخيها من الرضاعة، والله أعلم.