الأصل أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة عند جمهور أهل العلم، وعلى هذا الأساس لا يجوز بيع ما يحرم على المسلمين على غير المسلمين؛ لأنهم مخاطبون، وكونهم يرتكبون المحرَّم، ونحن نعلم أنه محرَّمٌ عليهم؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، لا يجوز لنا أن نُعينهم على ارتكاب ما حُرِّم عليهم، هذا الأصل.
ومن أهل العلم مَن يرى أن مثل هذا لا بأس به، وقد جاء في الصحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب رأى حُلَّةً سِيَراء –يعني: حريرًا- عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله: لو اشتريتَ هذه، فلبستَها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما يلبس هذه مَن لا خَلَاق له في الآخرة»، ثم جاءتْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حُلل، فأعطى عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- منها حُلَّةً، فقال عمر: يا رسول الله، كسوتنيها وقد قُلتَ في حُلَّة عُطارد ما قلتَ؟ -يعني: قلتَ: «إنَّما يلبس هذه مَن لا خَلَاق له في الآخرة»، فكيف تُعطيني هذه الحُلَّة؟- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إني لم أَكْسُكَها لِتلبسها»، فكساها عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أخًا له بمكة مشركًا [البخاري: 886]، فهي محرَّمة على الرجال، والكفار مخاطبون بالفروع، لكن مثل هذا الحديث يدل على أنهم يلبسونها؛ لأن عمر أعطاها أخاه، ولو كان لا يجوز له لبسها لما أعطاه إياها. وقد يقول قائل: إنه أعطاه إياها؛ ليبيعها وينتفع بثمنها، يقول النووي في شرحه على مسلم: (فيه جواز إهداء ثياب الحرير إلى الرجال؛ لأنها لا تتعيَّن للبسهم، وقد يتوهَّم متوهِّمٌ أن فيه دليلًا على أن رجال الكفار يجوز لهم لبس الحرير، وهذا وهمٌ باطل؛ لأن الحديث إنما فيه الهدية إلى كافر، وليس في الإذن له في لبسها. وقد بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- ذلك إلى عمر، وعلي، وأسامة –رضي الله عنهم-، ولا يلزم منه إباحة لبسها لهم، بل صرَّح –صلى الله عليه وسلم- بأنه إنما أعطاه؛ لينتفع بها بغير اللبس. والمذهب الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، فيحرم عليهم الحرير كما يحرم على المسلمين)، يعني: وكذلك الذهب، والله أعلم.