نعم، لا يُظن بمن اعتنى بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، واطَّلع على أقواله وأفعاله، أنه يُخالف هذه الأقوال وهذه الأفعال التي عُني بجمعها، وتعب عليها، إلى قول أحد، أو عمل أحد كائنًا من كان.
(وذُكر أبو داود في طبقات الحنابلة، فقد كان إمامًا مجتهدًا يميل إلى الحنبلية في الراجح)، لا شك أن تأثُّره بشيخه الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- ظاهر، والتأثُّر موجود من التلاميذ بالشيوخ، ولا بد أن يظهر من حيث يشعر الإنسان أو لا يشعر، لكن لا يحمله هذا التأثُّر على أن يُخالف الكتاب والسنة من أجل هذا الشيخ الذي أُعجب به، فالتأثُّر جِبلِّي، لكن على الإنسان أن يعمل بالأثر.
وكون أبي داود يُترجَم في طبقات الحنابلة فهذا ما فيه غرابة، فأرباب المذاهب: الحنابلة، والشافعية، والحنفية، والمالكية، كلهم لهم طبقات، وكلهم يدَّعون المشاهير وأنهم من أتباع إمامهم، ولذا لو نظرنا في الإمام البخاري لوجدناه مترجَمًا في طبقات الحنابلة، ومترجمًا في طبقات الشافعية، ومترجمًا في طبقات المالكية، كلهم يتجاذبونه؛ لأنه ممن يُفتخَر بانتسابه إلى هذا الإمام، وكذلك مثله بقية الأئمة، ولذا قد يُترجَم العالم في أكثر من طبقات؛ نظرًا لأنه فُهم منه أو من بعض تصرفاته أنه يميل إلى هذا الإمام.
المقصود أن مثل هذا قد يوجد، لكن لا يوجد نص صحيح عن هؤلاء الأئمة أنهم يقتدون بأحد غيرهم، ومَن نظر تصرفات الإمام البخاري وجد الاجتهاد المُطلق.
(وقد بحثتُ عمَّا يميل إليه ابن ماجه -رحمه الله- من المذاهب، فلم أتوصل إلى شيء)، حقيقة أنا لم أتوصل إلى شيء من هذا، فكتب الطبقات لم تذكره على حدِّ علمي، مع بحثي السريع، من دون استقراء. وأيضًا كتابه لا يظهر منه من خلال مراجعاتنا له أنه يميل إلى مذهب.