مما يمثل به لمقلوب المتن، ما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» [1031]، والرواية الصحيحة المعروفة: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [البخاري: 1423]؛ لأن الإنفاق إنما يكون باليمين، فانقلب على الراوي فقال: «حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»، وهذا في (صحيح مسلم)، ومن باب صيانة (الصحيح) يمكن أن يُخرّج الحديث على وجه يصح، فنقول: يمكن أن يتصدق الإنسان بشماله، وهذا إذا كان مكثراً من الصدقة، فيحتاج إلى الإنفاق بشماله كما كان ينفق بيمينه، وقد جاء في الحديث الصحيح في (البخاري) وغيره: «ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبًا، تمضي علي ثالثة عندي منه دينار، إلا شيئًا أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه، وعن شماله، ومن خلفه. [البخاري: 6444]، فقد يحتاج مع كثرة الإنفاق إلى الإنفاق بالشمال، وأيضاً قد يضطر الإنسان إلى الإنفاق بشماله عند إخفاء الصدقة، فمثلًا لو جلس محتاج إلى جهة الشمال، وعنده أناس على جهة اليمين، وأراد أن يعطيه شيئًا من المال فيمكن أن يعطيه بشماله بحيث لا يشعر من كان على يمينه، وكذلك فإن الفقير المحتاج يحب أن تُخفى الصدقة عليه عن الناس أكثر من حبه الإنفاق عليه باليمين، ولذا فإنه لا يجد في نفسه إذا أُعطي الصدقة بالشمال لإخفائها عن أعين الناس الموجودين في جهة اليمين. وهذا إنما يقال من باب صيانة (الصحيح)، وصيانة الرواة الثقات عن التوهيم والتخطئة؛ لأن الحديث في (صحيح مسلم).