يقول ابن تيمية -رحمه الله- عن المحرم: (فإن لم يجد نعلين لبس خفين، وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالقطع أولًا بالمدينة، ثم رخص بعد ذلك في عرفات)، فقد خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- في المدينة وقال: «إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين» [البخاري: 5803]، ثم رخص بعد ذلك في عرفات فقال: «من لم يجد النعلين فليلبس الخفين» [البخاري: 1841]، من دون تعرض للقطع. وقاعدة حمل المطلق على المقيد ظاهرة في مثل هذا، ولذا الأكثر على أنه يُقطع؛ لأن ما جاء في خطبة عرفات مطلق، وما جاء في المدينة مقيد، واتفقا في الحكم والسبب، فيحمل المطلق على المقيد. وهذه هي الجادة عند أهل العلم. لكن من قال بعدم القطع لا يختلف مع بقية العلماء في أن حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة هو الأصل، لكنه عورض بخطبة عرفة، ولا شك أنها مقام بيان، والناس بحاجة ماسة إلى هذا البيان؛ لأنه قد حضر هذه الخطبة من لم يحضر الخطبة الأولى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ويدعم هذا الاختيار كون القطع إتلاف وتضييع للمال، وقد نهينا عن إضاعة المال، وعلى هذا فقول شيخ الإسلام –رحمه الله- وجيه، وقد قال به جمع من أهل العلم.