في الحديث الصحيح أن هندًا امرأة أبي سفيان –رضي الله عنهما- جاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم– فقالت له: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يَكفيني وولدي...فقال: «خذي ما يكفيكِ وولدكِ، بالمعروف» [البخاري: 5364].
فالغيبة هي ذكر أخاك بما يكره، وقد يكون هذا داخلًا في هذا الضابط النبوي، لكن العلماء نصوا على أن الغيبة تُباح لغرضٍ شرعي، قال النووي: (وذلك لستة أسباب:
أحدها: التظلُّم -كما جاء في السؤال-، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمٍ...
الثاني: الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب...
الثالث: الاستفتاء -كما جاء في حديث امرأة أبي سفيان- بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان، -أو تقول الزوجة: بخسني زوجي، أو ظلمني زوجي، وهكذا-...
الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوهٍ: منها جرح المجروحين من الرواة، والشهود، والمصنفين، وذلك جائزٌ بالإجماع، بل واجبٌ صونًا للشريعة -قالوا: هذا ليس من الغيبة، وإنما هو من النصيحة الواجبة-. ومنها: الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته. ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئًا معيبًا أو عبدًا سارقًا أو زانيًا أو شاربًا أو نحو ذلك تَذكُره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحةً، لا بقصد الإيذاء والإفساد -يعني أنت تعلم أن هذا التمر معيب، وأن الذي عرضه للبيع غشَّ فيه، وجعل فوقه طبقةً طيبةً من أغلى الأنواع، وجعل تحته فاسدًا، فتقول للمشتري: تأكد من صلاحيته، أَدخِل يدك في داخله، وهذا ليس من الغيبة لصاحب التمر، فحينما تقول: إن فيه غشًّا، هذا من باب النصيحة-...
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته -كمن يشرب الخمر، ويفعل أشياء مُحرَّمة ويُجاهر بها، فهذا هَتَك ستر الله عليه، فالناس يعرفون عنه هذا-...
السادس: التعريف، فإذا كان معروفًا بلقبٍ -لا يَتميَّز إلا به- كالأعمش والأعرج...ونحو ذلك، يجوز التعريف به، ويحرُم ذِكره به تنقُّصًا)، فعبد الرحمن بن هرمز الأعرج يُحدَّث عنه، قال: حدَّثنا الأعرج، وفلانًا الأعمى، والأعمش سليمان بن مهران مشهور في كتب السُّنَّة بهذا، فلا يُقال: إنه يُراد عيبه ولا تنقُّصه، وإنما يُراد التعريف به، فحينئذٍ يجوز.
ويقول الشاعر:
الذمُّ ليس بِغيبـةٍ في سِتَّةٍ |
|
مُتظلِّمٍ ومُعـرِّفٍ ومُحـذِّرِ |
ولِمُظهِرٍ فِسقًا ومُستَفتٍ ومَن |
|
طلبَ الإعانةَ في إزالةِ مُنكرِ |
أما إذا لم يكن هناك مصلحة راجحة في ذِكره بما يكره فإنه حينئذٍ يكون من الغيبة المحرمة، والله أعلم.