أما بالنسبة للتصوير فهو بجميع أشكاله وآلاته داخل في حيِّز التحريم، فلا يجوز تصوير ما فيه روح، ويرى بعض أهل العلم، وهو الذي رجَّحه القرطبي -رحمه الله- في تفسيره أن تصوير مخلوقات الله ولو كانت ليست ذات أرواح كالأشجار فيه مضاهاة لخلق الله، فيدخل أيضًا في حيِّز التحريم، لكن المقرَّر عند جماهير أهل العلم أن هذا خاصٌّ بذوات الأرواح؛ لأن المصوِّر يُكلَّف بأن يَنفخ الروح فيما صوَّره، وليس بنافخ، «أَحيوا ما خلقتم» [البخاري: 2105] -نسأل الله العافية-، فهل يستطيع؟ لا يستطيع.
على كل حال التصوير بجميع أشكاله وآلاته داخل في حيِّز التحريم، وهو من عظائم الأمور، وقد جاء فيه الحديث الصحيح: «أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة المصوِّرون» [البخاري: 5950]، «ويقال لهم: أَحيوا ما خلقتم».
ويُنازع بعض الناس في دخول هذه الآلات في هذا الوعيد، التي هي عبارة عن ضغط زرٍّ فتُخرِج صورةً لا عَمَل للإنسان فيها، وإنما العمل فيها للآلة، فالإنسان ضغط هذا الزرَّ، والآلة هي التي صوَّرتْ، ومعلوم عند أهل العلم أن هناك ما يُسمَّى بالتسبُّب، وهناك ما يُسمَّى بالمُباشَرة، فالمُباشَرة تقضي على أثر التسبُّب، فهذا الذي ضغط الزرَّ مُتسبِّب، والآلة مُباشِرة، لكن إذا لم يكن المُباشِر محلًّا للتكليف انتقل الحكم إلى المُتسبِّب.
ويقول: (بعيدٌ جدًّا أن يضغط الإنسان هذا الزرَّ، ثم يكون أشدَّ الناس عذابًا)، نقول: له نظائر، فالذي ضغط زرَّ المسدس وقتل مؤمنًا، هل نقول: إن الذي قتله المسدس، أو الذي ضغط الزرَّ؟ وكذلك التصوير ولا فرق، لكن الناس ابتُلُوا، وتهاونوا وتساهلوا، ثم بحثوا عن الرُّخَص، وعن الأقوال التي تُخفِّف من هذا الأمر.
وعلى كل حال مَن اقتدى بمَن تبرأ الذمة بتقليده فهذا شأنه، لكن أنا لا أُجيز، ولا أُحلُّ أحدًا يُصوِّرني، ولينقل عني أني أرى تحريم مثل هذا الأمر، ولا يجوز له أن يُصوِّر.