لا شك أن مَن عصى الله -جل وعلا- فعليه أن يتوب، فالتوبة واجبة وعلى الفور {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: ٣١]، فإذا غلبتْه نفسه وهواه وشيطانه ثم عاد ورجع إلى معصيته فإنَّ عليه أيضًا أن يتوب، لكن أيضًا عليه أن يقاوم الشيطان ويقاوم النفس والهوى فلا يعود للمعصية مرةً ثانية؛ لئلا يُعرِّض نفسه لسخط الله، ثم بعد ذلك لا يكون رجوعه إلى معصيته استخفافًا بحق الله -جل وعلا-؛ لأن الذي يعود مرارًا كأنَّه مستخف بمن عصى، فعليه أن يثبت على توبته المشتملة على الشروط: يُقلع عن المعصية فورًا، ويعزم على ألَّا يعود، ويندم، فإذا تحققتْ هذه الشروط فإنَّ توبته تكون مقبولة حينئذٍ، ثم إذا عاد فإنَّه يلزمه التوبة مرة أخرى وهكذا، لكن على الإنسان أن يعرف قَدْر مَن عصى، وإذا عرف قَدْر مَن عصى وعرف عِظم العقوبة من الله -جل وعلا- التي عرَّض نفسه لها فإنه حينئذٍ لا يعود إلا في القليل النادر، إذا ضعف إيمانه في وقت من الأوقات أو ما أشبه ذلك.
ثم إنَّ هناك أسبابًا وهناك موانع ولا شك، فعليه أن يبذل الأسباب التي تُعينه على عدم الرجوع إلى المعصية، وعليه أن ينفي الموانع، فعليه أن يلجأ إلى الله -جل وعلا- بدعائه ويَصدق في لجئه إليه، وعليه أيضًا أن يُكثر من الطاعات، فالحسنة -كما قال بعض السلف- تقول: أختي أختي، تقود إلى حسنة أخرى، وعليه أن يبتعد عن المعاصي والسيئات، كما قال بعضهم أيضًا: إن السيئة تقول: أختي أختي، وعليه أيضًا أن يبتعد عن قرناء السوء الذين يزيِّنون له المعاصي، وعليه أن يصبر نفسه مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي من الصالحين، وحينئذٍ لا شك أنَّه يكون في معزل عن هذه المعاصي، ولا يُفترض فيه أن يكون معصومًا، لكن كلما ابتعد عن الأشرار وصحب الأخيار فإنَّه أقرب إلى أن تكون أعماله الصالحة هي الغالبة.